وقبل أن تبصر عيناكِ

ما أسهل أن ينجز بنفسه كل الأعمال التي يدفعها إليه والده.. حتى الخطير منها... ما كان سواه بقادرا على الخوض في كل شيء
ليس لقوته البدنية فقط إنما لذكاؤه و خبرته و حسن تعامله و سرعة بديهته.. إخوته منهما ولدا في سن المراهقة و الآخر يصغره بعامين.. أي كبيرا مثله لكنه أحمق
كثيرا ما تطغى عليه عصبيته في أغلب المواقف فيخرب كل شيء لذلك يفضل سالم أن يكون عمله بالداخل فقط.. أما الخارج فهو إختصاص رزق.. و أحيانا يتطلب تواجده بالداخل أيضا ...
كانت عملية تسليم بضائع خاصة بالأسلحة اليدوية .. يذكر جيدا يوم أن عرض عليه تولي هذا العمل أيضا لكنه رفض بصرامة و أخبره أن لو وقع الاختيار بين تولي هذا العمل و العيش في كنفه فهو سيغادر مملكته بكل سرور و لن يفكر أبدا في العودة إليه
و بالطبع وافق سالم و لم يعارضه أبدا فكما يعلم الجميع أولاده و عائلته كلهم بكفة.. و رزق وحده بكفة أخرى و دائما ما تكون كفة رزق هي الراجحة ...
تمام يا ريس رجب ! .. قالها رزق بصوته القوي و هو يضع أخر رزمة من النقود في حقيبته الكبيرة
أشار للفتى القادم معه بغلقها و أخذها إلى سيارته خارج الصهريج المهجور ذلك
لا
كانت تطوقه حراسة مشددة و لدهشته أن رآى رزق قادما بمفرده ليس معه سوى فتى حضوره مثل غيابه.. كم هو شديد الثقة بنفسه ...
مع إن أبوك ماكنش بيعد ورايا يا معلم رزج رزق ! .. علق المدعو رجب باسلوب ينم عن فكاهة
تكلف رزق الابتسامة و رد عليه بفتور
كل ساقطة و ليها لاقطة بقى يا ريس.. صوابعك مش زي بعضها. و أنا مش زي أبويا. أنا ليا دماغ لوحدي.. و بعدين الأصول ماتزعلش. مش تمام و شكيتها بإيدك
أومأ رجب مؤيدا
تمام.. شغل أبيض كيف كل مرة
رزق بثقة أقرب إلى الغرور
إحنا مابنطلعش حاجة أي كلام.. الجزارين سمعتهم سبقاهم
إبتسم رجب مثنيا على سيرته هو بالأخص
و سمعتك إنت لوحدك كوم تاني يا زينة الرچال. بتفكرني بابوك في شبابه كان عترة إكده كيفك
ضحك رزق باقتضاب و قال و هو يتهيأ للرحيل
أبويا لسا شباب يا ريس رجب
بادله الأخير الضحك قائلا
صوح.. هذا الشبل من ذاك الأسد !
و تضاحكا مرة أخيرة ثم قال رزق و هو يوليه ظهره ملوحا بيده
يلا أشوفك على خير..
صاح رجب في إثره
و إنت ماتنساش توصل سلامي لابوك !
غادر رزق المكان منطلقا بسيارته دون الفتى الذي اعتذر منه ليلحق بميعاد خاص فسمح له رزق بالرحيل... و أثناء طريق العودة يفرغ ذهنه تماما.. فإذا بالأحداث الأخيرة تعرض عليه
و ها هي صورتها تقفز أمام ناظريه مجددا
لقد كاد ينساها... ماذا كان أسمها .. ليلة.. كيف له أن ينسى أسمها.. بما أنه هو الذي أعطاها هذا الأسم قبل عشرون عاما !!!
رباه !
إن رؤيتها أطلقت بعقله طوفانا من الذكريات المختلفة.. لم يكن يحاول أن ينسى أيا منها... حتى لو أراد.. ستظل أمنية عصية على التحقيق.. الماضي كله محفورا بدواخله.. قد خبأه جيدا بمكان قصي و تناساه أغلب الوقت
لكنها هي جاءت اليوم.. ظهرت أمامه كالشبح و ذكرته بكل شيء.. تحديدا تلك الليلة المعلومة ...
Flash Back ...
تلك الفترة العصيبة التي شهدها تفتك بأمه منذ وطأت أقدامهم بيت العائلة هذا.. عائلة أبيه رغم حداثة سنه و عقليته الطفولية إلا أنه أبدى تعقلا في التعامل مع الأزمة التي تجلت بعلاقة والديه
أمه دائما حزينة مكتئبة.. في منأى عن الجميع و خاصة والده مع أنه لا يزال ولدا لكنه
في ثانية ترى زوجة أخرى له و أطفال أيضا.. شعر بصدمتها فقد أحس بنفس الصدمة بدوره لكنه ما لبث أن أفاق منها و تخطاها حين أخذه والده و جالسه على إنفراد ليلقى على مسامعه الآتي ...
رزق.. إنت كبرت و بقيت راجل. لو إتكلمت معاك هاتفهمني صح
هز الطفل رأسه أن نعم فاستطرد سالم بجدية
أنا عارف إنك مشوش و متلخبط بسبب الظروف الجديدة حواليك.. عارف كمان إنك مضايق عشان ماما. بس أنا عاوزك تتأكد من حاجة واحدة و تكون واثق فيها أوي.. أبوك عمره ما يقدر يفرط في حتة منه. و إنت مني يا رزق. و أمك.. أمك دي مش مراتي و بس. دي حبيبتي و أظن أنت تعرف أنا بحبها أد إيه ...
صمت قليلا كي ما يعطيه وقتا ليستوعب هذا القسم من حديثه و لو أنه فهمه جيدا.. خاصة الجزء المتعلق بعلاقة الحب التي جمعت أبويه لا يستطيع أن ينكر مدى حب أبيه لأمه حيث أنه كان شاهدا عليه منذ وعى على الدنيا
لكن للأسف... تلك القصة الغرامية العظيمة